فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وسبق أن ضربنا مثلًا بالبرغوث، وهو أَدْنى هذه المخلوقات، ولا تكاد ترا. ومع ذلك لا تقدر عليه، وربما أقضَّ مَضْجعك، وأقلق نومك طوال الليل. وتلمس هذه النعمة في الجمل الذي يقوده الصبي الصغير، إذا حرن منك فلا تستطيع أن تجعله يسير رغمًا عنه، أو صَالَ فلا يقدر عليه أحد، وقد يقتل صاحبه ويبطش بمَنْ حوله.
إذن: لا قدرة لك عليه بذاتك، إنما بتذليل الله يمكن الانتفاع به، فتسوقه إلى نَحْره، فيقف ساكنًا مُسْتسلمًا لك.
والمتأمل في حال الحيوانات التي أحلها الله لنا يجد امرها عجيبًا، فالحيوان الذي أحلَّه الله لك تظل تنتفع به طوال عمره، فإذا ما تعرّض لما يُزهِق روحه، ماذا يفعل؟ يرفع رأسه إلى أعلى، ويعطيك مكان ذَبْحه، وكأنه يقول لك: أنا في اللحظات الأخيرة فاجتهد في أنْ تنتفع بلحمي، وأهل الريف إذا شاهدوا مثل هذه الحالة يقولون: طلب الحلال يعني الذبح. أما الحيوان الذي لا يُذبح ولا يُحله الله فيموت مُنكَّس الرأس؛ لأنه لا فائدة منه.
هذا الحيوان الذي نتهمه بالغباء ونقول أنه بهيم.. إلخ. لو فكرتَ فيه لَتغيَّر رأيّك، فالحمار الذي نتخذه رَمْزًا للغباء وعدم الفَهْم تسوقه أمامك وتُحمِّله القاذورات وتضربه فلا يعترض عليك ولا يخالفك، فإنْ نظفْته وزيَّنْتَه بلجام فضة، وبردعة قطيفة تتخذه رُكُوبة وزينة ويسير بك ويحملُك، وأنت على ظهره، فإنْ غضبتَ عليه واستخدمْته في الأحمال وفي القاذورات تحمَّل راضيًّا مطيعًا..
وانظر إلى هذا الحمار الذي نتخذه مثالًا للغباء، إذا أردتَ منه ان يقفز قناة أوسع من مقدرته وإمكانياته، فإنه يتراجع، ومهما ضربتَه وقسْوتَ عليه لا يُقدِم عليها أبدًا؛ لأنه يعلم مدى قفزته، ويعلم مقدرته، ولا يُقدِم على شيء فوق ما يطيق- وبعد ذلك نقول عنه: حمار!!
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَطْعِمُواْ البائس الفقير } [الحج: 28].
البائس: هو الذي يبدو على مِحْنته وشكله وزِيِّه أنه فقير محتاج، أما الفقير فهو محتاج الباطن، وإنْ كانَ ظاهره اليُسْر والغِنَى، وهؤلاء الفقراء لا يلتفت الناس إليهم، وربما لا يعلمون حالهم وحاجتهم، وقد قال الله فيهم: {يَحْسَبُهُمُ الجاهل أَغْنِيَاءَ مِنَ التعفف تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ الناس إِلْحَافًا } [البقرة: 273].
والمعنى: كُلُوا مما يُبَاح لكم الأكل منه، وهي الصدقة المحضة، أو الهدية للبيت غير المشروطة بشيء، يعني: لا هي دم قران أو تمتُّع، ولا هي فدية لمخالفة أمر من أمور الإحرام، أو كانت نذرًا فهذه كلها لا يؤكَل منها.
إذن: كلوا من الصدقة والتطوع، وأطعموا كذلك البائس والفقير، ومن رحمة الله بالفقراء أنْ جعل الأغنياء والمياسير هم الذين يبحثون عن الذبائح ويشترونها ويذهبون لمكان الذبح ويتحمَّلون مشقة هذا كله، ثم يبحثون عن الفقير ليعطوه وهو جالس في مكانه مستريحا، يأتيه رِزْقه من فَضْل الله سهلًا وميسرًّا.
لذلك يقولون: من شرف الفقير أنْ جعله الله ركنًا من أركان إسلام الغنيّ، أي: في فريضة الزكاة، ولم يجعل الغني ركنًا من أركان إسلام الفقير.
ثم يقول الحق سبحانه: {ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ }.
{لْيَقْضُواْ } [الحج: 29] كلمة قضاء تُقال، إما لقضاء الله الذي يقضيه على الإنسان مثلًا، وهو أمر لازم محكوم به، وإما قضاء من إنسان بين متخاصمين، وأول شيء في مهمة القضاء أن يقطع الخصومة، كأن المعنى {لْيَقْضُواْ } [الحج: 29] أي: يقطعوا.
ومعنى {تَفَثَهُمْ } [الحج: 29] لما نزل القران بهذه الكلمة لم تكن مستعملة في لسان قريش، ولم تكن دائرة على ألسنتهم، فسألوا عنها أهل البادية، فقالوا: التفَثُ يعني: الأدران والأوساخ التي تعلَقُ بالجسم، فقالوا: والله لم نعرفها إلا ساعةَ نزل القران بها.
فالمراد- إذن- ليقطعوا تفثهم أي الأدران التي لحقتهم بسبب التزامهم بأمور الإحرام، حيث يمكث الحاجُّ أيام الحج مُحْرِمًا لا يتطيب، ولا يأخذ شيئًا من شعره أو أظافره، فإذا ما أنهى أعمال الحج وذبح هَدْية يجوز له أنْ يقطع هذا التفث، ويزيل هذه الأدران بالتحلُّل من الإحرام، وفِعْل ما كان محظورًا عليه.
وقوله تعالى: {وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ } [الحج: 29] يعني: طواف الإفاضة، والطواف: أنْ تدور حول شيء بحيث تبدأ وتنتهي، وتبدأ وتنتهي، وهكذا، وقد وصف البيت بأنه عتيق، وكلمة عتيق استعملت في اللغة استعمالات واسعة، منها: القديم، وما دام هو أول بيت وُضِع للناس فهو إذن قديم، والقِدَم هنا صفة مدح؛ لأنها تعني الشيء الثمين الذي يُحافظ عليه ويُهتَم به.
كما نرى عند بعض الناس أشياء ثمينة ونادرة يحتفظون بها ويتوارثونها يسمونها العاديات مثل: التحف وغيرها، وكلما مَرَّ عليها الزمن زادتْ قميتها، وغلا ثمنها.
والعتيق: الشيء الجميل الحسن، والعتيق: المعتوق من السيطرة والعبودية لغيره، فما المراد بوصف البيت هنا بأنه عتيق؟
وَصْف البيت بالقِدَم يشمل كُلَّ هذه المعاني: فهو قديم؛ لأنه أول بيت وُضِع للناس، وهو غالٍ ونفيس ونادر حيث نرى فيه مَا لا نراه في غيره من آيات، ويكفي أن رؤيته والطواف به تغفر الذنوب، وهو بيت الله الذي لا مثيلَ له.
وهو كذلك عتيق بمعنى معتوق من سيطرة الغير؛ لأن الله حفظه من اعتداء الجبابرة، ألاَ ترى قصة الفيل، وما فعله الله بأبرهة حين أراد هَدْمه؟ حتى الفيل الذي كان يتقدَّم هذا الجيش أدرك أن هذا اعتداءٌ على بيت الله، فتراجع عن البيت، وأخذ يتوجَّه أي وجهة أرادوا إلا ناحية الكعبة.
ويُقال: إن رجلًا تقدّم إلى الفيل. وقال في أذنه: ابْرُك محمود- اسم الفيل- وارجع راشدًا فإنك ببلد الله الحرام. وقد عبَّر الشاعر عن هذا الموقف، فقال:
حُبِسَ الفيل بالمُغَمَّسِ حَتَّى ** ظَلَّ يعوي كأنه مَعْقُور

ثم ينزل الله عليهم الطير الأبابيل التي ترميهم بالحجارة حتى الموت.
لذلك لما ذهب عبد المطلب جَدُّ الرسول صلى الله عليه وسلم ليُكلِّم أبرهة في الإبل المائة التي أخذها من إبله، قال أبرهة: لقد كنتُ أهابك حين رأيتُك، لَكِنك سقطت من نظري لما كلَّمتني في مائة بعير أصبْتها لك، وتركتَ البيت الذي فيه مجدُكم وعزكم.
فماذا قال عبد المطلب؟ قال: أما الإبل فإنها لي، أما البيت فله رَبٌّ يحميه.
البعض يتهم عبد المطلب لمقالته هذه بالسلبية، وليست هذه سلبية من كبير قريش، إنما ثقةً منه في حماية الله لبيته؛ لذلك رَدَّه إلى أقوى منه، وكأنه قال: إنْ كنتُ أحميه أنا، فسأحميه بقوتي وقدرتي وحيلتي، لَكِنني أريد أنْ أرعبه بقدرة الله وقوته، وما سلَّمتُ البيت إلاَّ وأنا واثق أن ربَّ البيت سيحميه، وهذه تُزلزل العدو وتُربكه.
وما أشبه موقف عبد المطلب بموقف موسى عليه السلام، لما قال له قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: 61] فقال في يقين وثقة: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].
إذن: لم يكُنْ عبد المطلب سلبيًّا كما يتهمه البعض، بل كان إيجابيًّا من النوع الراقي، فلو كان إيجابيًّا بالمعنى الذي تريدون لأعطتْه هذه الإيجابية منعةً بقوته هو، إنما تصرُّفه وما تعتبرونه سلبية أعطاه منعةً بقدرة الله وقُوَّته سبحانه؛ لذلك تدخَّلتْ فورًا جنود السماء.
لَكِن لماذا الطواف والدوران حول الكعبة؟
قالوا: لأن المسلم وهو غائب عن الكعبة يُصلِّي لجهتها، كلّ حسب موقعه منها، فتجد المسلمين في كل أنحاء العالم يتجهون نحوها، كل من ناحية، هذا من الشمال، وهذا من الجنوب، وهذا من الشرق، وهذا من الغرب، يعني بكل الجهات الأصلية والفرعية.
فإذا ما ذهبتَ إلى الكعبة ذاتها، وتشرفتَ برؤيتها، فهل تستقبلها من نفس المكان الذي كنتَ تتجه إليه في صلاتك وغيرك وغيرك؟ إذن: فكل اتجاهات الكعبة سواء لك ولغيرك، كما قال تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله } [البقرة: 115] فليس هناك مكان أَوْلَى من مكان؛ لذلك نطوف حول البيت. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله}.
عطف المضارع على الماضي؛ لأن المراد بالمضارع ما مضى من الصدّ، ومثل هذا قوله: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} [محمد: 1]، أو المراد بالصدّ ها هنا الاستمرار لا مجرّد الاستقبال، فصح بذلك عطفه على الماضي، ويجوز أن تكون الواو في: {ويصدّون} واو الحال، أي كفروا والحال أنهم يصدون.
وقيل: الواو زائدة والمضارع خبر إن والأولى أن يقدر خبر إن بعد قوله: {والباد} وذلك نحو خسروا أو هلكوا.
وقال الزجاج: إن الخبر {نذقه من عذاب أليم} وردّ بأنه لو كان خبرًا لإن لم يجزم وأيضًا لو كان خبرًا لإن لبقي الشرط وهو {وَمَن يُرِدِ} بغير جواب، فالأولى أنه محذوف كما ذكرنا.
والمراد بالصدّ: المنع وبسبيل الله: دينه، أي: يمنعون من أراد الدخول في دين الله و{المسجد الحرام}، معطوف على {سبيل الله} قيل: المراد به: المسجد نفسه كما هو الظاهر من هذا النظم القرآني.
وقيل: الحرم كله؛ لأن المشركين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنه يوم الحديبية.
وقيل: المراد به: مكة بدليل قوله: {الذي جعلناه لِلنَّاسِ سَواء العاكف فِيهِ والباد} أي جعلناه للناس على العموم يصلون فيه ويطوفون به مستويا فيه العاكف وهو المقيم فيه الملازم له، والباد أي الواصل من البادية، والمراد به: الطارىء عليه من غير فرق بين كونه من أهل البادية أو من غيرهم.
وانتصاب {سواء} على أنه المفعول الثاني لجعلناه وهو بمعنى مستويا، و{العاكف} مرتفع به، وصف المسجد الحرام بذلك لزيادة التقريع والتوبيخ للصادّين عنه، ويحتمل أن يكون انتصاب {سَواء} على الحال.
وهذا على قراءة النصب، وبها قرأ حفص عن عاصم، وهي قراءة الأعمش، وقرأ الجمهور برفع {سواء} على أنه مبتدأ وخبره {العاكف} أو على أنه خبر مقدّم، والمبتدأ {العاكف} أي العاكف فيه والبادي سواء، وقرئ بنصب {سواء} وجرّ {العاكف} على أنه صفة للناس، أي جعلناه للناس، العاكف والبادي سواء، وأثبت الياء في البادي ابن كثير وصلا ووقفا، وحذفها أبو عمرو في الوقف، وحذفها نافع في الوصل والوقف.
قال القرطبي: وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام نفسه.
واختلفوا في مكة فذهب مجاهد ومالك إلى أن دور مكة ومنازلها يستوي فيها المقيم والطارىء.
وذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة إلى أن للقادم أن ينزل حيث وجد، وعلى ربّ المنزل أن يؤويه شاء أم أبى.
وذهب الجمهور إلى أن دور مكة ومنازلها ليست كالمسجد الحرام، ولأهلها منع الطارىء من النزول فيها.
والحاصل أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين: الأصل الأوّل: ما في هذه الآية: هل المراد بالمسجد الحرام المسجد نفسه، أو جميع الحرم، أو مكة على الخصوص؟ والثاني: هل كان فتح مكة صلحًا أو عنوة؟ وعلى فرض أن فتحها كان عنوة هل أقرّها النبيّ صلى الله عليه وسلم في يد أهلها على الخصوص؟ أو جعلها لمن نزل بها على العموم؟ وقد أوضحنا هذا في شرحنا على المنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى زيادة.
{وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} مفعول يرد محذوف لقصد التعميم، والتقدير: ومن يرد فيه مرادًا، أيّ مراد بإلحاد، أي بعدول عن القصد.
والإلحاد في اللغة: الميل إلا أنه سبحانه بيّن هنا أنه الميل بظلم.
وقد اختلف في هذا الظلم ماذا هو؟ فقيل: هو الشرك.
وقيل: الشرك والقتل، وقيل: صيد حيواناته وقطع أشجاره، وقيل: هو الحلف فيه بالأَيمان الفاجرة، وقيل: المراد: المعاصي فيه على العموم.
وقيل: المراد بهذه الآية أنه يعاقب بمجرد الأرادة للمعصية في ذلك المكان.
وقد ذهب إلى هذا ابن مسعود وابن عمر والضحاك وابن زيد وغيرهم حتى قالوا: لو همّ الرجل في الحرم بقتل رجل بعدن لعذّبه الله.
والحاصل: أن هذه الآية دلت على أن من كان في البيت الحرام مأخوذ بمجرّد الأرادة للظلم، فهي مخصصة لما ورد من أن الله غفر لهذه الأمة ما حدّثت به أنفسها، إلا أن يقال: إن الأرادة فيها زيادة على مجرّد حديث النفس، وبالجملة فالبحث عن هذا وتقرير الحق فيه على وجه يجمع بين الأدلة ويرفع الإشكال يطول جدًّا، ومثل هذه الآية حديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» فدخل النار هنا بسبب مجرّد حرصه على قتل صاحبه.
وقد أفردنا هذا البحث برسالة مستقلة، والباء في قوله: {بِإِلْحَادٍ} إن كان مفعول {يرد} محذوفًا كما ذكرنا فليست بزائدة.
وقيل: إنها زائدة هنا كقول الشاعر:
نحن بنو جعدة أصحاب الفَلَج ** نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

أي: نرجو الفرج، ومثله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى ** بما لاقت لبون بني زياد

أي: ما لاقت، ومن القائلين بأنها زائدة الأخفش، والمعنى عنده: ومن يرد فيه إلحادًا بظلم.
وقال الكوفيون: دخلت الباء لأن المعنى: بأن يلحد، والباء مع أن تدخل وتحذف، ويجوز أن يكون التقدير: ومن يرد الناس بإلحاد.
وقيل: إن {يرد} مضمن معنى: يهمّ، والمعنى: ومن يهمّ فيه بإلحاد.
وأما الباء في قوله: {بظلم} فهي للسببية، والمعنى: ومن يرد فيه بإلحاد بسبب الظلم، ويجوز أن يكون {بظلم} بدلًا من {بإلحاد} بإعادة الجارّ، ويجوز أن يكونا حالين مترادفين.
{وإذ بَوَّأْنَا لإبراهيم مَكَانَ البيت} أي: واذكر وقت ذلك، يقال: بوّأته منزلًا وبوّأت له، كما يقال: مكنتك ومكنت لك.
قال الزجاج: معناه: جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، ومعنى {بوّأنا}: بيّنا له مكان البيت، ومثله قول الشاعر:
كم من أخ لي ماجد ** بوّأته بيديّ لحدًا

وقال الفراء: إن اللام زائدة ومكان ظرف، أي أنزلناه فيه {أن لا تشرك بِي شَيْئًا} قيل: إن هذه هي مفسرة لبوّأنا، لتضمنه معنى تعبدنا؛ لأن التبوئة هي للعبادة.
وقال أبو حاتم: هي مصدرية، أي لأن لا تشرك بي.
وقيل: هي المخففة من الثقيلة، وقيل: هي زائدة.